مرحبا، الحقني.. أنا بورطة وبحاجة فلوس .. الصوت لصديقك المقرّب، لكن هل هو هذا صوت قريبك حقاً؟
تخيل أنك تتلقى مكالمة هاتفية أو رسالة صوتية مسجلة من شخص قريب، صوته مألوف جداً، يخبرك أنه في ورطة ويحتاج إلى تحويل مالي عاجل.. لكن هناك شيء غريب، لا تعرف ما هو، لكن الريبة والشك تخطر على بالك، ربما من الاحتمالية أو الصوت نفسه، أو لأنه لا يرد على الهاتف عندما تحاول الاتصال به، وغيرها.
إذًا.. قبل أن تتصرف، توقف للحظة، ففي عصر الذكاء الاصطناعي، لم سمعك الحكم النهائي على الحقيقة، فتقنية استنساخ الصوت (Voice Cloning) أصبحت من القوة بحيث يمكنها تقليد صوت أي شخص بدقة، مما يفتح الباب أمام جيل جديد من عمليات الاحتيال المتقنة.. في السطور التالية سأقدم لك بعضَ الطرق التي ستساعدك في كشف الأصوات المزيفة سواء في المكالمات المباشرة أو التسجيلات أينما كانت.
- كيف يعمل استنساخ الصوت بالذكاء الاصطناعي؟
ببساطة، تقوم أنظمة الذكاء الاصطناعي بتحليل عينة صوتية قصيرة لشخص ما يمكن الحصول عليها من أي مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي أو رسالة بريد صوتي، فيقوم النظام بتفكيك الخصائص الفريدة للصوت مثل النبرة والتردد والإيقاع، وبمجرد تعلم هذه الأنماط، يمكن للذكاء الاصطناعي توليد أي جملة جديدة بنفس الصوت تماماً، مما يجعل التمييز صعباً بالاعتماد على السمع فقط.
- العلامات التحذيرية: كيف تكتشف الصوت المُقلّد بالاستماع؟
رغم تطورها، لا تزال هذه التقنية تترك بعض الآثار التي يمكن للمستمع اليقظ أن يلتقطها، فعند الشك في أي مكالمة أو رسالة صوتية، ركز على هذه الاختلافات الدقيقة:
- نبرة آلية أو رتيبة: يخلو الصوت من التغيرات العاطفية الطبيعية، هذا شائع خاصةً إذا كان مولّد ( مسجّل) الصوت باستخدام أحد المواقع المزودة للخدمة لا يتمتع بمهارات التحكم في الصوت وليس له دراية كبيرة بها، لكن في بعض الحالات ( وكثيرة هي هذه الأيام ) فإن التحكم الجيد والتوليد الجيد سيصنع صوتًا ليس آليًا وليس رتيبًا.
- توقفات غير طبيعية: توقفات غريبة أو تقطيع طفيف بين الكلمات، هذا شائع أكثر، ويبرز بشكل أكبر في حال كان الصوت المولّد طويلًا، وفي بعض الحالات ( اعتمادًا على العينة المستنسخة ) فإن الصوت لا ينقطع ولا يتوقف مما يعاكس الطريقة البشرية في الكلام بحيث يخلو من السكتات أو الوقفات تمامًا، وبطبيعة الحال يخلو من التأتأة الطبيعية التي تكاد لا تخلو من أي أداءٍ صوتي بشري عادي.
- غياب أصوات التنفس: الكلام يبدو متواصلاً بشكل غير طبيعي، وهو ليس مقطوعًا به أيضًا حيث أن المسألة تتعلق كما أشرت في الأعلى إلى العينة المستنسخة، لكن حتى لو كان هناك تنفس فإن أصوات النفس لا تبدو طبيعية وحتى الآن فإن نماذج الذكاء الاصطناعي لا تتقن صوت التنفس البشري بشكل جيد، فتلاحظ تقطعًا، أو تنفسًا في لحظة من الغريب التفس عندها، أو صوت النفس عالٍ جدًا مقارنة بمستوى الصوت المسجّل.
- ضوضاء رقمية خفيفة: وشوشة إلكترونية خافتة في الخلفية، وهذا في حال كانت العينة المستنسخة سيئة، وغالبًا ما تكون إن كانت مأخوذة من مقاطع على السوشال ميديا أو الواتسآب وغيرها، من التطبيقات التي في الغالب تقوم بضغط الملفات المرفوعة عليها لتناسب تشفيرها الخاص، وبالتالي تقل جودة هذه الملفات، مما يتسبب بتشويش رقمي في الخلفية، ورغم تطور تقنيات عزل الصوت إلا أنها أيضًا تغير من طبيعة وطبقة الصوت للعينة الأساسية وبالتالي تغير المستخرج.
- لفظ غير متقن: صعوبة في نطق بعض الكلمات المعقدة أو الأسماء، وهذا من أبرز النقاط، خاصةً باللغة العربية، إذ أنه مع تقدم نماذج الذكاء الاصطناعي إلا أن العربية الفصحى تواجه تحديات كبيرة في الصوت، وأيضًا المشكلة أكبر في العامية حيث إن تداخل اللهجات العربية يجعل الصوت في الذكاء الاصطناعي يميل إلى الخلط بينها بشكل كبير، ربما في بعض الحالات إن كانت لهجتك الأساسية مصرية، فإنه سيصعب عليك تمييز اللهجة الإماراتية عن غيرها من اللهجات الخليجية، والعكس صحيح، لكنك في موازنة أخرى إن كنت إماراتيًا ستميز لهجتك الإماراتية عن باقي اللهجات الخليجية بفروقاتها جميعًا حتى لو كانت بسيطة، وهذا ينطبق على كل اللهجات العربية المناطقية والعامة، وحتى على طريقة أداء الفصحى.
- التحليل المتقدم: أدوات لكشف الأصوات المسجلة (الجديد)
عندما يتعلق الأمر برسالة صوتية مسجلة (على واتساب مثلاً) أو أي ملف صوتي آخر، لديك ميزة إضافية وهي إمكانية استخدام أدوات تقنية متخصصة لتحليل أعمق، وهذه الأدوات لا تعتمد على السمع البشري، بل تحلل البصمة الرقمية للصوت.
كيف تعمل هذه الأدوات؟
تقوم هذه المنصات بتحليل الطيف الصوتي (Spectrogram) للبحث عن علامات لا تستطيع الأذن البشرية اكتشافها بسهولة، مثل:
- الآثار الرقمية (Digital Artifacts): بقايا صغيرة من عملية التوليد الصناعي للصوت.
- الترددات غير الطبيعية: غياب أو وجود ترددات لا تتوافق مع الكلام البشري الطبيعي.
- الأنماط المتكررة: تكرار أنماط صوتية بطريقة آلية لا يفعلها البشر.
هل توجد أدوات مساعدة للكشف عن الصوت؟
نعم.. هناك عدد متزايد من الأدوات التي تقدم هذه الخدمة، بعضها متاح للعموم والبعض الآخر مخصص للشركات.
من الأمثلة على ذلك:
- AI Voice Detector : منصة بسيطة تتيح لك تحميل ملف صوتي للحصول على نسبة احتمالية كونه مولّداً بالذكاء الاصطناعي.
- Resemble AI Detect : أداة متخصصة من شركة رائدة في مجال توليد الأصوات، مصممة لكشف الأصوات المزيفة بدقة.
- ElevenLabs AI Speech Classifier : أداة أخرى شهيرة يمكنها تحليل مقطع صوتي وتحديد ما إذا كان قد تم إنشاؤه بواسطة منصتهم .
ملاحظة هامة: هذه الأدوات مفيدة جداً لكنها ليست معصومة من الخطأ بنسبة 100%، وأحياناً قد تعطي نتائج غير حاسمة، لذا، يجب استخدامها كأداة مساعدة تدعم حكمك المنطقي، وليست بديلاً عنه.
- خطوات التحقق الفوري: دليلك العملي عند الشك
إذا راودك الشك، سواء في مكالمة مباشرة أو بعد تحليل تسجيل صوتي، قم بتطبيق هذه الاستراتيجيات الفعالة فوراً:
- اطرح سؤالاً شخصياً: الطريقة الأقوى والأسرع، اسأل عن ذكرى مشتركة أو معلومة شخصية لا يعرفها إلا الشخص الحقيقي.
- اطلب إعادة الاتصال: أنهِ المكالمة المشبوهة، وبادر بالاتصال أنت بالشخص على رقمه المسجل لديك.
- استخدم قناة تواصل مختلفة: قل للمتصل: سأتصل بك عبر مكالمة فيديو الآن.
- اتفق مسبقاً على كلمة أمان:خطوة استباقية ممتازة للعائلات لاستخدامها في حالات الطوارئ.
تقنية استنساخ الصوت أصبحت حقيقة واقعة، لكن المعرفة والوعي هما أقوى أسلحتنا، وبدل رفض هذه التقنية فإن معرفتها ولو كانت بالعموم تحميك وتحمي أسرتك، وعلى صعيد علمي تفتح للجميع أبوابًا جديدة، علمية، ثقافية، تعليمية، ولذوي الهمم أيضًا.
كن واعيًا، ولا تخف من مواجهة التطور
إن كان الصوت بالذكاء الاصطناعي قد لفت انتباهك، جرب الآن مكنة، والتي تراعي كل أخلاقيات استنساخ الصوت، وتولد صوتًا واقعيًا احترافيًا.